المنهج الإثنوغرافي إحدى المناهج الأساسية المستخدمة في الدراسات الأنثروبولوجية، فتختلف المناهج باختلاف المواضيع، ولكل منهج وظيفته وخصائصه التي يستخدمها كل باحث في ميدان اختصاصه والمنهج كيفما كان نوعه هو الطريقة التي يسلكها الباحث للوصول إلى النتيجة1. فهناك من الباحثين من يعتبرالمنهج الإثنوغرافي مرحلة أولية في البحث الأنثروبولوجي، لكن مع التوجهات الإبستيمية الحديثة لم يعد مرحلة أولية بل بات لصيق الدراسة الأنثروبولوجية من بدايتها إلى غاية الخروج بالنتائج بمعنى آخر إن كان سابقا يتم الإعتماد على المنهج الإثنوغرافي في بداية البحث الأنثروبولوجي لإستقاء البيانات البحثية ثم تليها مرحلة تحليل البيانات أو العمل المكتبي، الآن أصبح الباحث الأنثروبولوجي يعتمد المنهج الإثنوغرافي من بداية البحث إلى نهايته شرط إقرانه بالتحليل الذي يقوم أساسا على وجه نظر المجتمع المدروس.
1. مفهوم المنهج الإثنوغرافي:
2. خصائص المنهج الإثنوغرافي:
قبل الغوص في استرسال الخصائص التي يتميز بها وجب التنبيه على أن المنهج الإثنوغرافي في علم الإنسان يحمل كل الخصائص التي يحملها المنهج العلمي بداية من تسهيل وتنظيم سيرورة الدراسة وفق طرق واضحة وغيرها من الخصائص الأخرى، أما الخصائص التي ينفرد بها المنهج الإثنوغرافي عن باقي المناهج الأخرى هي:
- يهدف المنهج الإثنوغرافي إلى وصف ظاهرة ما ميدانيا من أجل الخروج بنتائج تخص هذه الظاهرة لا من أجل تعميم نتائجها، بمعنى أن نتائج الوصف الإثنوغرافي يتوقف على المجتمع المدروس زمنيا.
- يعتمد المنهج الإثنوغرافي على الميدان بالدرجة الأولى لإستقاء البيانات ولا يعتمد على أي فروض ونظريات " لذا فإن وضع النظريات والفرضيات والقياسات قبل الدخول إلى الميدان سوف يشوه فهمنا لما يدركه الفرد الذي تقوم عليه دراستنا، فالحقائق الاجتماعية لا يمكن فهمها وإدراكها إلا من خلال المعطيات والمعاني بحس ما يعطيها الأفراد في ذلك المجتمع"3.
- يعتمد المنهج الإثنوغرافي على آليات منهجية متعددة في جمع البيانات أهمها: الملاحظة بالمشاركة (سيدة البحث الإثنوغرافي) والمقابلة المعمقة من أجل فهم المعنى والعديد من التقنيات والأدوات الأخرى مثل: المقابلة نصف موجهة، الملاحظة المباشرة، الطريقة الجينيالوجية.....
3. أهم الدراسات الأنثروبولوجية التي استعان أصحابها بالمنهج الإثنوغرافي:
نعرض فيما يلي نماذج لدراسات أنثروبولوجية إستعان أصحابها بالمنهج الإثنوغرافي للوصول لنتائج علمية:
أ. دراسة لويس أوسكار لخمس أسر ميكسيكية:
ب. دراسة مالينوفسكي في جزر التروبرياند:
أضفى مالينوفسكي بعدا ثوريا على البحث في الأنثروبولوجيا بأن أولى للميدان وللتحقيق المباشر مكانة بارزة وهو يتعارض في ذلك مع التطوريين ومع العلماء المكتبيين ومع إناسة المقاعد الوثيرة، ولعله كان من أوائل اللذين شددوا على ضرورة القيام بالبحث في موضعه حتى ولو كان بعض الباحثين قد إمتازوا قبله بقيامهم بدراسات ميدانية، مثل "مورغان" الذي رأينا كيف قام بأبحاثه وسط الأيركوازين ( الدراسة المنسية) و"راد كليف براون" في جزر الأندمان، 1908 و"سيلغمان" في ميلانيزيا 1904.
لقد كانت دراسة أهالي الجزر التروبرياندية، بين عامي 1914و1918، والتي تمت في ثلاث رحلات واحد من أطول الأعمال التحقيقية التي أنجزت في ذلك الحين. فتحول الباحث معها إلى محقق يعتمد على تحقيقاته الخاصة ولم يعد بحاجة للإستناد إلى أقوال مشكوك بها إلى هذا الحد أو ذاك، لكن التحقيق يستلزم تحضيرا نفسانيا وحالة ذهنية من شأنها أن تمكن المعاين من تناسي ثقافته الخاصة ومراجعه الخاصة، وتجعله يتحاشى أي شكل من أشكال التعصب القومي الذي يدفعه إلى الحكم على هذه المجتمعات، التي تكون غريبة وشاذة أحيانا، وقد إستغل مالينوفسكي مقدمة كتابه المغامرون ليندد بالأحكام المسبقة التي كونها المستعمرون عن الأهالي إذ حكموا عليهم بأنهم غير مؤهلون لأي ضرب من ضروب التقدم، كما هاجم المستعمرين والإداريين أو الإرساليين الأوروبيين وحملهم مسؤولية المس بالعادات والمعتقدات التقليدية التي يدين بها الأهالي الأصليون5، وهنا نلمس الأسس والمعايير التي وضعها "مالينوفسكي" للبحث الإثنوغرافي الميداني من خلال دراسته التي أصبحت بمثابت دليل العمل الحقلي التي صاغها بالإستعانة بالمنهج الإثنوغرافي.
جعلت هذه الدراسة من "مالينوفسكي" واحدا من
مؤسسي الأنثروبولوجيا الاقتصادية من خلال دراسته حول سستام السلفات التي تجري بين
الأهالي والذي يسمى "الكولا". فمن خلال هذه الدراسة وتعليمات صاحبها نستطيع التذكير
بأهمها:
- نبه مالينوفسكي بضرورة الفواصل الزمنية بين فترات الدراسة؛ فهذا يمكن الباحث من إعادة قراءة ملاحظاته وإعادة صياغة مشكلاته6. إضافة إلى تفادي الإنغماس في ثقافة المجتمع المدروس والوقوع في فخ النظرة الرومانسية للمجتمع المدروس.
- شدد مالينوفسكي على أمر بالغ الأهمية وهو تعلم لغة الأهالي وتفادي الإعتماد على مترجم من أجل فهم المعاني السياقية لا الترجمة الحرفية7.
- نستنتج أيضا من خلال دراسة مالينوفسكي على تشجيجه على تفادي الأحكام المسبقة وترك المجال للميدان لمدنا ببيانات دون الحكم عليها من منطلقاتنا نحن بل حسب وجهة نظر أصحاب الثقافة.
نصل في الختام إلى أن الدراسات الإثنوغرافية كثير ولا تحصى وقد وقع الإختيار لدراستين فقط بإعتبراهما من أشهر الدراسات الميدانية خاصة دراسة مالينوفسكي التي أصبحت دليل للعمل الحقلي. وعلى سبيل الذكر لدراسات أخرى نذكر دراسة مارغريت ميد للساموا، دراسة ماك اليستر لظاهرة هجرة بعض العمال الأفارقة إلى المدن في إطار البناء الاجتماعي لقبيلتهم، دراسة راد كليف براون لجزر الأندمان، وكدراسة محلية نذكر دراسة دراسة علي الكنز وجمال غريد والسعيد شيخي في مصنع الحجار.
كما يمكن القول بأنه يبقى المنهج الإثنوغرافي هو سيد البحوث في الأنثروبولوجيا لما له من القدرة على التوغل في تفاصيل الظاهرة السوسيوثقافية وتحقيق الهدف الأساسي للدراسات الأنثروبولوجية –فهم المعنى-
الكاتب: د. رمزي فارح / د. سميرة مشري
قائمة المراجع المعتمدة:
- عمار بوحوش دليل الباحث في المنهجية وكتابة الرسائل الجامعية، دوك، الجزائر 1985.
- بلقبي فطوم، سيفون باية،
الإثنوغرافيا منهج حديث في الفضاء الإتصالي الجديد، مجلة الخلدونية للعلوم
الإنسانية والإجتماعية، المجلد 13، العدد1 ، 2021.
- الخمداني موفق وآخرون، مناهج البحث العلمي، عمان، دار المسيرة، 2006.
- فتحية محمد إبراهيم وآخرون، مناهج البحث في علم الإنسان، دار المريخ، الرياض-السعودية-1988.
- جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، ترحسن قبيسي، المركز الثقافي العربي، الدرا البيضاء-المغرب، 1997
- المرجع نفسه
- المرجع نفسه
تعليقات
إرسال تعليق