القائمة الرئيسية

الصفحات

صراع سوسيوثقافي بين الكنة والحماة: دراسة أنثروبولوجية

 دراسة أنثروبولوجية لأحد المواضيع المهمة في الشأن الأسري المحلي. حيث تتمحور الدراسة حول ظاهرة مهمة جدا في الحياة الأسرية والعلاقات العائلية وهي العلاقة بين الكنة والحماة، وكيف تؤثر الخلفية السوسيولوجية والثقافية على هذه العلاقة، حيث نجد أن الكنة وهي زوجة الابن، قد تكون إنسانة راقية في تعاملها مع الناس، حنونة ، ولا تفتعل المشاكل... والحماة وهي أم الزوج قد تجدها نفس الشيء إنسانة راقية وأم عظيمة ولا تهوى افتعال المشاكل، إلا أننا نجد أن هناك صراعات وخلافات بينهما ككنة وحماة، وبالتالي جاءت هذه الدراسة للكشف عن التأثيرات المرسخة من خلال الخلفية الثقافية والاجتماعية على هذه العلاقة. 

دراسة أنثروبولوجية



إن لكل انسان خلفية ومكتسبات يأخذها من واقعه الاجتماعي والثقافي والتي تسطر مجمل أبعاد حياته وتعاملاته مع الآخرين وهي ما نسميه عادة بالخلفية السوسيو_ثقافية، بمعنى أنها كافة المكتسبات والخبرات التي يكتسبها الفرد باعتباره عضو ضمن الإطار الثقافي والاجتماعي لمجتمعه.

1. شرح سوسيولوجي لصراع الكنة والحياة

تعد العلاقات الأسرية أكثر التعاملات التي تبرز فيها المكتسبات الثقافية والاجتماعية للفرد ، بتأثيراتها المختلفة، إذ نجد أن هذه العلاقات متميزة بشبكة مترابطة من التفاعلات وهنا يمكن أن نورد إحدى هذه التفاعلات وهي التفاعل بين الكنة "زوج الإبن" والحماة" أم الزوج"، إذ نجد أن هذه العلاقة الصراعية جاءت كنتيجة لتأثيرات الخلفية السوسيولوجية والثقافية لكل من الكنة والحماة.

وتبرز أبعاد الخلفية السوسيولوجية حسب الدراسة الأنثروبولوجية في أبعاد عديدة منها: التنشئة الاجتماعية أو عملية تحويل الإنسان من الكائن البيولوجي إلى كائن اجتماعي، بمعنى اكسابه العضوية الاجتماعية أو بمعنى أخر جعله يحمل ما يوجد في الواقع الاجتماعي من سمات وقيم وخصائص تجعله متميز عن الأفراد في المجتمعات الأخرى، وهي عملية مستمرة عبر الزمن لا تتوقف عند مرحلة عمرية معينة وكذا النمط الزواجي القائم يعد ضمن الأبعاد الاجتماعية بمعنى نمط زواج إندوغامي أي زواج قرابي من نفس الوحدة القرابية أو نمط زواجي إكسوغامي أو زواج من خارج اللحمة القرابية الواحدة بالإضافة إلى أن الخلفية الشوسيولوجية تتأسس من خلال الدراما الاجتماعية وهي جزء مم الدراما العالمية وتهتم بالقضايا الاجتماعية وهي نوع من النصوص الأدبية التي تؤدي تمثيلا في المسرح أو التلفزيون أو الإذاعة وتناقش قضايا مختلفة منها الاجتماعية.

2.  شرح ثقافي لصراع الكنة والحياة

أما بالنسبة للخلفية الثقافية فتتحدد من خلال جملة من العناصر الموجودة في المنظومة الثقافية والتي منها: الأمثال الشعبية وهي بمثابة سجل حافل يرصد تجارب السابقين ويلخص تجاربهم للإنسانية، على اعتبار أن التجارب الإنسانية تتكرر، أيضا نجد الشعر الشعبي وهو كلام موزون ومقفى يقال بلغة شعبية نابعة من المجتمع ومعبرة عن كل ما فيه من قضايا ويؤثر في أفراده، كذلك نجد الحكاية الشعبية وهي تسرد أحداث قد تكون واقعية حدثت في زمن بعيد تسرد بلغة عامية، وأيضا الأغنية الشعبية وهي كلام موزون ملحون يقال في المناسبات له العديد من الوظائف وبالتالي تتأسس الخلفية الثقافية للأفراد. ولأن العلاقة بين أم الزوج وزوجة الإبن أمر أصبح يقال عنه أنه صراع أزلي وأبدي، ونبرز هنا كيف أثرت الخلفية الاجتماعية والثقافية في مسار هذه العلاقة، فعلى الرغم من صعوبة الفصل بينهما خاصة في ميدان الأنثروبولوجيا إلا أننا سنحاول تقديم كل جانب على حدى:

3. الخلفية الاجتماعية وصراع الكنة والحماة:

قلنا سابقا أن الخلفية الاجتماعية فيها عدة أبعاد وتحدثنا عن ثلاثة أبعاد هي:التنشئة الاجتماعية ونمط الزواج ، والدراما الاجتماعية:

أ. التنشئة الاجتماعية:

و تعد "عملية  التنشئة الاجتماعية عملية هامة في حياة الفرد إذ يمكن من خلالها أن يكتسب الإنسان القيم والاتجاهات والمعايير والسلوكيات التي تتماشى مع المجتمع والثقافة التي يعيش فيها"1

فالتنشئة الاجتماعية حسب هذا التعريف تعد بمثابة عملية تهيئة الفرد ليكتسب القيم الاجتماعية والثقافية والتي تجعله يتكيف مع الواقع الاجتماعي والثقافي الذي ينتمي له.

كما أنها تعرف بأنها" عملية تلقين الفرد قيم ومفاهيم وثقافة مجتمعه الذي يعيش فيه، كما أنهما تتضمن التفاعل القائم بين الفرد وأسرته أو مجتمعه وقد عرفت التنشئة الاجتماعية بأنها إعداد الفرد لأن يكون كائنا اجتماعيا وعضوا في مجتمع معين"2

فالتنشئة هي عملية تلقين ينتقل من خلالها الإنسان من كونه كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي ثقافي وذلك باكتسابه للسمات الثقافية والاجتماعية لواقعه الاجتماعي بحيث يسمح له هذا التلقين بالإنخراط في الواقع الاجتماعي.
وبالنسبة للحماة والكنة وهذه العلاقة وكيف تأثرت بالتنشئة الاجتماعية، ففي الواقع الاجتماعي العربي بصفة عامة، ترسل رسائل عبر التنشئة الاجتماعية أن الكنة تغير من الحماة والعكس فالحماة تغير من الكنة، وأن الحماة تريد أن تجعل الكنة تسيير تحت طوعها وأمرها... والعديد من العبارات التي ترسخت من خلال التنشئة الاجتماعية تجعل هذه العلاقة تميل إلى الصراع أكثر من الود والتفاهم.

ب. نمط الزواج:

نمطا الزواج السائدين في المجتمع الجزائري هما الزواج الداخلي والزواج الخارجي، بالنسبة للزواج الداخلي عادة ما نجد أن العلاقة بين الكنة والحماة وإن كان فيها صراع إلا أنها أقل حدة من الصراع الموجود في الزواج الخارجي، وهذا ما نجد أن المثل يعززه من خلال المثل القائل: إمشي في طريق تعرفوا حتى لو داير وأدي بنت عمك حتى لو بايرة" وهذا تعزيزا من الثقافة والتنشئة للزواج الداخلي.

ج. الدراما الاجتماعية:

الدراما الاجتماعية هي مشاهد تمثيلية تجسد القضايا الاجتماعية وهي تغرس فينا بصورة لا واعية أفكارا معينة، فقد تحدثت جل الدراما الاجتماعية عن الصراع بين الكنة والحماة، من خلال مشاهد تمثيلية عادة ما يجعلون من الحماة هي العنصر الشرير، وفي مشاهد أخرى الكنة هي مفتعل المشاكل، وهذا ما يرسخ فكرة عدم التفاهم بين الكنة والحماة.

علم الإنسان دراسة ميدانية


4. الخلفية الثقافية للصراع بين الكنة والحماة:

تتجسد الخلفية الثقافية للصراع بين الكنة والحماة في الأنثروبولوجيا من خلال: الأمثال الشعبية، الحكاية الشعبية، الشعر الشعبي، القصيدة.....وكل المنابع الموجودة في الثقافة الشعبية.

أ. الأمثال الشعبية:

تحدثت الأمثال الشعبية بكثرة عن العلاقة الصراعية بين الكنة والحماة، ففي أحد الامثال : لكان تتفاهم العجوز والكنة إبليس يدخل الجنة،وهذا المثل يبرز فكرة مفادها استحالة الاتفاق بين الكنة والحماة، لأن هذا الأمر في الصراع بينهما من المسلمات التي لا تقبل الجدال فيها.

ب. الشعر الشعبي:

تحدث الشعراء عن العلاقة الصراعية بين الكنة والحماة من خلال كتابة أبيات شعرية شعبية بلغة هزلية تبين هذا الصراع، كمثال:
يا لالة ويا لالة على عرايس اليوم...... ما تخبزلي الكسرة ما تنوض من النوم 
وهنا من خلال هذا الشعر نجد أن الحماة تذم في كنتها، وتبين أنها ليست أهل للزواج من إبنها.

ج. الأغنية الشعبية:

الأغاني الشعبية كثيرة جدا في هذا الصدد ويكفي أن اعرض إحداها والتي تبرز الصراع بين الكنة والحماة.
تقول كلمات الأغنية الشعبية: 
  • فرشي لعجوزتك وقوليلها لاله
  • ما هيش لاله وماهيش لاله
  • نفرش ليها لباري ونحرش عليها ذراري
  • فرشي لعجوزتك وقوليلها لاله
  • ما هيش لاله وماهيش لاله
  • نفرش ليها الجلد ونحرش عليها القرد ماهيش لالة 
هذه الأغنية الشعبية الحاضرة في الاحتفالات والأعراس في المجتمع الجزائري بحيث تقوم النسوى الكبار بترديد المقطع الأول "فرشي لعجوزتك وقوليلها لاله لترد عليها الفتيات بالمقطع الثاني ما هيش لاله وماهيش لاله  ...نفرش ليها لباري ونحرش عليها ذراري" وهكذا حتى تنتهي كل الأغنية وهذا المشهد الذي يتكرر في المناسبات بين جيل النساء وجيل الفتيات وجيل الأطفال يرسخ أمرا واحد وهو صراع أزلي بين الكنة والحماة...ومثل هذه المواضيع الراهنة دخلت في دائرة اهتمامات الأنثروبولوجيا باعتبارها واقعة اجتماعية وثقافية.

المؤلف: د. شابي أمينة

قائمة المراجع:
  1. علي عبد المحسن برسيم، التنشئة الاجتماعية الأسرية ودورها في تشكيل قيم الأبناء، المحور الاجتماعي والقيمي، التربية الأسرية وأثرها في التربية القيمية، جامعة ميسان، دت، ص02.
  2. ماجد ملحم أبو حميدان، طرائق التنشئة الاجتماعية الأسرية وعلاقتها بمدى مشاركة الشباب في اتخاذ القرارداخل الأسرة، كلية الأداب، مجلة جامعة دمشق، مج27، ع3،4، دمشق، 2011، ص12


تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق

إرسال تعليق