إن من أهم المواضيع في الأنثروبولوجيا بصفة عامة والأنثروبولوجيا السياسية
بصفة خاصة هو السلطة والحكم في المجتمعات البدائية.
أولا: الزعامة والسلطة في الأنثروبولوجيا
حيث أن الأمر الأكثر ملامسة في
هذا الحقل من الأنثروبولوجيا هو السلطة السياسية التي تتأسس على مبدـأ القسر
والإكراه وحتى القمع لذلك ترفض الأنثروبولوجيا السياسية هذا المنحى معتمدة على ما
ذهب إليه"موريس هوكار،الذي يرى أن" دور الزعيم في المجتمعات
البدائية في ارتباطه أساسا بتنظيم أداء الطقوس، حيث لا يتمثل هدف هذه الطقوس في
صون نظام المجتمع وإنما حتى تنظيم الحياة وتأمين خصوبة التربة وإنجابية الجماعة، وتظهر
وظيفة الزعيم بفضل تنامي العلاقات
فيما بين الجماعات كنتيجة لتركيز الطقوس التي يصبح الزعيم فيها منظم أساسي لها، لا
يحكم ولا يتمتع بأي سلطة، فمهمته في هذه المجتمعات هي تنظيم العالم من زاوية
النظام الذي يخضع له هو نفسه. ولهذا غالبا ما يكون الزعيم سجين طابوهات لا حصر لها
وعبد لمكانته ( الطابوهات: هي أمور مسكوت عنها، ممنوع الاقتراب منها أو انتهاكها)
فالزعيم في هذه المجتمعات يكون سجين أعراف المجتمع مما يؤدي إلى تثبيط
تطلعاته فهو رهن هذه المسؤولية، وهذه الطابوهات وهذه الالتزامات المفروضة عليه وهي
ما جعلت الزعيم البدائي لا يتمتع بأي حرية فممارسة السلطة في هذه المجتمعات تقع في
يد الجماعة بفعل قوة الطابو والعادات والأعراف والطقوس.
ثانيا: السمات الواجب توفرها في الزعيم والحاكم
وهذا ما جعل العديد من الأنثروبولوجيين يرون أن هذه هي الديموقراطية الحقة،
وهذا أيضا ما دفع العديد من المعاصرين إلى التساؤل عن ماهية هذه السلطة التي لا
تملك أدوات في يد الزعيم والقائد.
وما يدعوا هنا للدهشة والغرابة هو التعارض القوي بين سمات الزعامة
1. سمة القيادة:
حيث أن
القيادة لا تختزل في شخص الزعيم وحده ، فهو يصبح قوة وسلطان الجماعة تجتمع حوله
وكذلك هو كقوة جذب وتوحيد وإثارة للحماس والانخراط الشعبي العميق والجماعي
وبالتالي كمرجع مقدس ومقر للروح الجماعية التي تجمع كل الأفراد وتوحدهم في شخص
الزعيم.
يتولى قيادة الجماعة البدائية شخصان مختلفان، مدني وأخر عسكري، فخلال
المعارك والحروب يتمتع الزعيم بسلطة مطلقة وهذا راجع إلى التغير المرحلي من حالة
السلم إلى حالة الحرب، وعليه تصبح السلطة معترف بها ولكن كقوة آنية وبعد أن تضع
الحرب أوزارها ويحل السلم يفقد هذا الزعيم كل نفوذه ونعود لسلطة الجماعة.
2. سمة الكرم:
فيظهر أنها أكثر من واجب،
فالزعيم ملزم بالعطاء وإذا حاول أن يوقف العملية تنزع عنه كل سلطة وكل قيمة
وفي هذا الإطار كتب فرانس هوكسلي"
قائلا:"إن دور الزعيم يفرض عليه أن يكون كريما، وأن يعطي كل ما يطيب منه،ففي
القبائل الهندية يجب أن يكون الزعيم أقل الناس من حيث ما يملكه وأن زينته وتبرجه
قليلة جدا وهذا نتيجة العطاء والكرم، يقول كلود ليفي ستروس"إن
الكرم يلعب دورا رئيسيا في تحديد درجة الشعبية التي يتمتع بها الزعيم ، فإذا انتهى
العطاء يزاح من الزعامة ليحل محله شخص أكثر سخاءا منه.
3. سمة الفصاحة والتخاطب:
الخاصية الثالثة للزعيم هي الفصاحة والقدرة على استخدام اللغة، والقدرة
على الكلام فالعلاقة بين السلطة والكلام واللغة بارزة جدا في المجتمعات البدائية
حيث أن الزعيم سيطر واستحق لقب الزعيم بفعل قدرته على الخطابة والكلام، فالزعيم في
المجتمعات البدائية ملزم كل صباح بإلقاء خطاب على أفراد القبيلة يذكر فيه بتاريخ
القبيلة وأمجاد أجدادهم، وهذه رسالة للزعيم قبل أفراد القبيلة بأن ولائهم فقط
للأجداد ولتاريخهم، وما الزعيم إلا امتداد لهم، وبالنظر لأهمية اللغة فقد وجدت
إحدى القبائل الهندية زعيمتهم فتاة وعندما سألوهم ألا يوجد زعيم رجل لما فتاة
زعيمكم، قالوا" لقد علمها والداها الكلام ، فأصبحت أفصحنا"
4. سمة تعدد الزيجات:
الميزة الرابعة للزعيم البدائي هي تعدد الزوجات وهذا من أجل أن يصبح الزعيم
له علاقات قرابة بالمصاهرة مع عدد كبير من أسر القبيلة ما يجعله يقوى على حل
الخلافات بفعل تأثير قرابة المصاهرة كما أن الزعيم يمكن له أن يتزوج من القبائل
الأخرى وهذا لتحقيق الميزة الأولى وهي السلم، حيث وجد الأنثروبولوجيين أن المرأة
لها قيمة كبيرة داخل المجتمع البدائي حيث أنها ساهمت في تنظيمه في مرحلة المشاع
الجنسي، كما ساهمت في تكريس السلم من خلال مساهمتها في التلاقي والتعارف والتقارب
بين القبائل من خلال الزواج والمصاهرة.
وعليه فالزعامة والسلطة السياسية في المجتمعات البدائية تقوم على
ميكانيزمات وهي أن يكون الزعيم داعيا للسلم والسلام وهذا من أجل حفظ أرواح أفراد
القبيلة ، والميكانيزم الثاني هو أن يكون كريما كثير العطاء وهذا من أجل تقديم
الهدايا لأفراد القبيلة في المناسبات وتقديم الهدايا لزعماء القبائل الأخرى من أجل
حفظ السلم ، وأما الميكانيزم الثالث هو أن يكون خطيبا وفصيحا لأنه ملزم بتقديم
خطاب لغوي عن القبيلة وأجدادها لأفراد القبيلة من أجل تعزيز انتماءهم، والميكانيزم
الرابع هو تعدد الزوجات والهدف منه خلق العلاقات مع أفراد المجمتع ومع القبائل
المجاورة لتحقيق التعاون والسلم.
تعليقات
إرسال تعليق