الأنثروبولوجيا الرقمية مفهوما وموضوعا ومنهجا:
إن التطور المستمر
للثقافة الإنسانية يفرز لنا مخرجات متنوعة نجد أنفسنا مضطرين للتعامل معها، فكل ما
ينتجه الإنسان إلا وصبغه برمزيته الفردانية والمجتمعية، ومع الانتقال الفكري الذي
تشهده الحياة الفكرية للعلوم والحديث عن الانتقال من الحداثة إلى ما بعد الحداثة،
ومن المرحلة الصناعية إلى المرحلة التكنولوجية، وجد الإنسان نفسه يتعامل بشكل شبه
يومي مع التكنولوجيات المختلفة التي احتلت جزءا كبيرا من حياته. هذا التعامل
والتفاعل المستمر للإنسان مع الآلة في محاولة منه للتجديد في معارفه واشباع
لحاجاته المزايدة، أدى لتشكل ثقافة الآلة بمختلف أبعادها (تكنولوجية، افتراضية، اقتصادية..الخ) والتي يمكن مقاربتها بمفهومها
الأكاديمي "الأنثروبولوجيا الرقمية".
الأنثروبولوجية الرقمية
أتت كفرع حديث لفهم ذلك الفاعل الذي يحدث بين الانسان وكل ما هو رقمي، فكل تفاعل
ينشأ عنه ثقافة ورموز ومعاني، وما ما يستدعى من الأنثروبولوجي البحث والكشف عنها؛
لكن تظهر الصعوبة في كيفية الوصول لهذه المعاني، بأي مناهج وبأي أدوات؟ وهو ما
حاولت الانثروبولوجيا الرقية الخوض فيه، من ناحية تجديد المقاربات والمناهج
والتقنيات المناسبة لفهم الثقافة الرقمية وممارسات الانسان مع الرقمي الذي أصبح
مكملا ومحاكي ومنافس للواقع الاجتماعي
1. مفهوم الأنثروبولوجيا الرقمية:
1.1. الانثروبولوجيا:
تعددت التعريفات المقدة للأنثروبولوجيا بتعدد المدارس الأنثروبولوجية التي تبنت هذا العلم واشتغلت عليه، فعرفها الأنثروبولوجي "كلود ليفي ستروس" على أنها "اكتشاف أسفر عن أن جميع جوانب الحياة المجتمعية من الاقتصادي، والتقني، والسايسي والحقوقي والذوقي والديني تشكل مجموعا ذا دلالة، ومن المستحيل فهم فجانب من جوانب هذه الحياة إلا إذا أعيد وضعه بين الجوانب الأخرى"، من خلال هذا التعريف يمكن القول أن الأنثروبولوجيا هي علم شمولي يحاول فهم الثقافة الإنسانية ويدرس الإنسان في أبعاده الثلاثة: الأجتماعي والثقافي والطبيعي
2.1. الرقمي:
حسب ما قدمه (دانييل ميلر
وهيذر هورست) في كتابهما الذي يعد التأسيس الأول لظهور ميدان الانثروبولوجيا
الرقمية، فعرفاه أن الرقمي هو: كل شيء يمكن تقليصه جوهريا الى شفرة مثنوية 1-0 أي
الى بيتات (اصغر وحدة في قياس الاحجام على المستوى الرقمي) تنتج تكاثر إضافيا
للخصوصية والاختلاف وتحيل الجدلية على العلاقة بين هذا النمو في شموليته وخصوصيته.
فبدل كتابة رسالة ورقية
والبحث عن قلم وورق وظرف ومكان الارسال ووسائل نقلها الى المرسل اليه والتشكيك في
خصوصية ايصالها للمعني والزمن المستغرق لايصالها. نجد أن الرقمي وعبر البيتات قلص
زمن الارسال وسرع من وقته، وجمع بين طريقة كتابة الرسالة وعنوان المرسل اليه
وحماية خصوصية محتواها عبر تكنولوجيا مبسطة تمكن من الارسال واستقبال الرسالة في
وقت قياسي ومحدود.
2. لماذا الانثروبولوجيا الرقمية؟:
إن
فهم العوالم الافتراضية أمر مهم لأننا "نعيش بشكل متزايد في عالم حيث يصبح الانسحاب
من الأنظمة التكنولوجية أكثر صعوبة ومع ذلك فإن المشاركة داخل هذه الأنظمة تدفعنا
إلى قبول هياكل قد نعارضها" (Taylor 2006a:135). ويشير
(كاستيلز) أن الوسائط الرقمية تغير بشكل أساسي الطريقة التي نولد بها. نعيش بها.
ننام بها . ننتج بها. نستهلك بها. نحلم بها. نقاتل بها أو نموت بها. وهذه نقطة
مهمة لجعل البحث في الانثروبولوجيا الرقمية لا غنى عنه ويتوجب فيه التعاون بين التخصصات المتعددة بين العلوم
الاجتماعية، والعلوم الإنسانية، والفنون.
يحاول علماء الأنثروبولوجيا الرقمية دراسة العلاقة بين
ثقافة الإنسان من جهة وتقنيات العصر الرقمي من جهة أخرى؛ أي الكيفية التي تشكل بها
التقنيات الرقمية الثقافة الإنسانية والمجتمع وتتشكل من خلالهما؛ لأن التقنيات
الرقمية تؤثر وتتأثر بالثقافة الإنسانية وتقبُل المجتمع أو رفضه لها. وبعبارة أخرى تسعى
الأنثروبولوجيا الرقمية إلى دراسة ونقد الأبعاد الاجتماعية والثقافية للظاهرة
الرقمية في كل تجلياتها، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة والذكاء
الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والعملات الرقمية.
أي يمكن القول أن الأنثروبولوجيا الرقمية حسب
الانثروبولوجية "سارة بينك" تنطوي على ثلاثة عناصر: "أولاً، هناك
مادية البنية التحتية والتكنولوجيا الرقمية.
ثانيًا،
هناك مادية المحتوى الرقمي، وثالثًا، هناك مادية السياق الرقمي"، حيث يمكن للفهم
للرقمي والمادي أن يوضح " كيفية استهلاك الناس للتكنولوجيا" وفهم كيفية
تورط المادية الرقمية في العمليات الجارية التي تنشأ من خلالها المستقبلات، إلا
أننا بحاجة إلى توسيع فهمنا "لمراعاة التكوينات المتغيرة للأشياء والعمليات
والمستقبل المتخيل الذي يربطه الناس بها".
3. لماذا يشارك الناس في العوالم الافتراضية؟:
لاحظ
الأنثروبولجي "فيرنور فينج" في عملية التواصل الاجتماعي السيبراني، أن
أحد الأسباب المهمة التي تجعل العديد من الناس يشاركون في العوالم الافتراضية هو
أن "العيش في عالم قابل للتغيير مثل الخيال البشري أمر ممتع للغاية").
إن العوالم الافتراضية قد تكون مواقع للحزن وعدم المساواة، ولكنها قد تنتج أيضًا
طرقًا جديدة للعيش، بما في ذلك نوع من التعاطف الذي يذكرنا بالمشروع الإثنوغرافي
نفسه، حيث يرى الناس أنه بامكانهم الحصول على بعض الخبرة الهامشية من المواقع
الافتراضية حول تمثلات الناس حول ما يعنيه أن تكون سمينًا، أو أسودًا، أو أنثى. ويمكن
أن يؤدي ذلك إلى فهم أفضل للأشخاص الآخرين.
ينظر
الناس إلى أن الحياة الافتراضية هي امتداد لواقعهم الاجتماعي، فقد توصل باحثون مثل
(ليمان غارسيا واخرون) إلى أن الحقائق الافتراضية على الانترنيت ليست مختلفة عن
جوانب الحياة المادية والتجارب الحية بقدر ماهي جزء من تلك الحياة
4. ما تحاول الانثروبولوجيا فعله؟
وكما زعم فوكو (pitter. 2008. 347)، فإن
مفاهيم الانثروبولوجيا تقدم رؤية تتجاوز عينة الأشخاص الذين يتفاعل معهم
الإثنوغرافي بشكل مباشر. ونادراً ما يكون أسلوب التفسير في الانثروبولوجيا هو الابتعاد عن الادعاء
القاطع أو القانون الوضعي: "الجميع يفعلون X". وبدلاً من ذلك، يبحث
الإثنوغرافيون عن الميول والعادات والافتراضات والأشياء التي تكون صحيحة عادةً:
"في مجتمع X، تُصنف النساء عادةً على الأطفال"؛ "في مجتمع Y، يتزوج
الأشخاص عادةً قبل بلوغهم سن الثلاثين". بعبارة أخرى، تسعى الأنثروبولجيا إلى
معرفة ما هو صحيح افتراضيًا، وهو ما نمارسه في العالم الرقمي أيضا البحث عما هو
بالفعل صحيح افتراضيا
5. موضوع الانثروبولوجيا الرقمية
تهتم بكل المواضيع التي
تكون فيها التكنولوجيا الرقمية طرفا في احتكاكها مع الانسان، سواء مجتمعات
افتراضية أو وسائل مساعدة في الحياة اليومية للأفراد.
يقول الاستاذ "مبروك
بوطقوقة" أن علماء الأنثروبولوجيا الرقمية يدرسون الفضاءات الرقمية باعتبارها
موضوعات أنثروبولوجية يمكن من خلالها تحليل وتفسير الظواهر الاجتماعية-الثقافية
التي تحدث وتتفاعل داخل ومع الفضاءات الرقمية. وأظهرت دراساتهم أن المجموعات
البشرية أثناء احتكاكها بالتكنولوجيات الرقمية تتبنى مجموعة من المعايير
والممارسات والعادات، ويتداول أفرادها مجموعة من القصص والخطابات، ويطورون مجموعة
من المفردات واللهجات الخاصة، كما تكون تلك الفضاءات مجالا لظهور الصراعات
والهجرات منها وإليها بنفس الطريقة التي تحدث في المجتمعات الإنسانية التقليدية المحدودة
جغرافيا وبشريا.
لنضرب مثالا بأحد
الموضوعات التي يدرسها علماء الأنثروبولوجيا الرقمية، وهو تأثير التكنولوجيا
الجديدة على إحساسنا بـ “نزع الإنسانية”؛ بمعنى آخر: كيف يرى الناس أنفسهم على
أنهم تصورات للبيانات أكثر من كونهم مجرد أشخاص. ففي الوقت الذي يذهب فيه
المتشككون والمتخوفون من الرقمية إلى أن التكنولوجيات الرقمية تدمر إنسانيتنا
وتشوهها بسبب الطبيعة غير الأصيلة وغير الأصلية لمنتجاتها، فقد ذهب ميلر وهورست
إلى أن التكنولوجيات الرقمية لا تعمل فقط على توسيع معارفنا، بل تعمل كذلك على
توسيع إنسانيتنا، ومن ثم فهي امتداد لها، بل وجادلا بأن الأنثروبولوجيا الرقمية
تؤثر على فهم الأنثروبولوجيا لنفسها وما يعنيه أن يكون المرء إنسانًا. فهي تعمل
على احتواء التعقيد والتناقضات المتأصلة في تقييم عوالمنا الرقمية الجديدة، والتي تساعدنا على فهم إنسانيتنا الجديدة التي تتصالح
مع التطورات التقنية عبر فهمها في سياق اجتماعي وثقافي أكثر شمولا. لكن في نفس
الوقت هناك تساؤل مهم يطرح في الانثروبولوجيا الرقمية وهو: ولكن في العوالم
الافتراضية نجد تفوقًا للتقنية على المعرفة، فهل يمكن لأنثروبولوجيا العوالم
الافتراضية أن تنتج تقنية بدلاً من نظرية المعرفة للإنسان نفسه؟
فمثلا بحث "فاي
جينسبورغ" في كتابه لغتي، عن موضوع مساهمة التقنيات الرقمية التفاعلية في توفير
منصات غير متوقعة وقوية لأولئك الذين يعانون من إعاقات للتواصل مع الأفراد أو مع
مجموعة واسعة من الجماهير. كما تحاول فهم تأثير الرقمية على مواضيع الخدمة
الاجتماعية كالتطوع والتضامن...الخ.
ومن مواضيعها أيضا دراسة
السياسة الرقمية أو التسييس الرقمي خاصة مع لاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام
الرقمية من قبل الجهات الفاعلة السياسية من جميع الأنواع - السياسيين والصحفيين
والناشطين والمشاهير والزعماء الدينيين، وما إلى ذلك. كمثال دراسة أجراها نادي
الكمبيوتر الألماني (CCC)، وهي منظمة قرصنة تم تمويلها في عام 1981، أثبتت أن التصويت
المحوسب غير آمن. وبذلك، لم يكتفوا بتسييس قضية تكنولوجية فحسب، بل حققوا أيضًا
"تغييرًا ملموسًا في الإجراءات الديمقراطية"، أي إلغاء التصويت
الإلكتروني. وكذلك دور الاعلاميين والسياسيين والمؤثرين وتأثيرهم على الجركت
الاحتجاجية وتوجيه الرأي العام .
كما تتعدى الانثروبولوجيا
الرقمية فهم وتحليل الوسائط الاجتماعية الى التأثير على HANNAH KNOX بالبنية الرقمية، وهي كل ما له صلة وتأثر بهذه البنية الرقمية
والمتمثلة في الأسلاك والكابلات التي تدعم الاتصالات المحمولة والحاسوبية ، وتشمل
أيضًا دمج أجهزة الاستشعار وقواعد بيانات القياسات وتحليلات البيانات في الوقت
الفعلي في المباني والطرق السريعة وخدمات التذاكر وتوصيل الوجبات السريعة وخدمات
سيارات الأجرة والمزيد. حيث أصبحت البنى الأساسية الرقمية جزءًا لا يتجزأ من
الحياة المعاصرة لمعظم الناس في العالم، وكانت آثارها على إعادة تنظيم الحياة
الاجتماعية عميقة. حيث وفرت هذه البنى الأساسية الرقمية الأساس للتحولات البنيوية
في العلاقات الاجتماعية، كالتواصل والتنقل والقرابة والوصول إلى الموارد. فإن إحدى
خصائص دراسات البنى التحتية الرقمية هي أن فهم جوانبها السياسية والثقافية يتطلب
غالبًا طمس النظريات والأساليب التخصصية: يجد علماء الاجتماع أنفسهم يتحولون إلى
مهندسين أوليين؛ ويصبح علماء الكمبيوتر من المنظرين السياسيين.
كما تدخل مواضيع أخرى ضمن
مجالها المعرفي كمشاريع التنمية والعلوم المدنية، metaverse
Blockchain and Digital
economy وكيف ساهمت الأنترنيب في تغيير نمط العمل
والانتاج وظهور فرص عمل جديدة على /عبر الأنترنيت. وتمكن الكثير من الأفراد من
التحول من حالة الفقر الى مليونيرات والبتكوين أحسن مثال عن تغيير الوضعية
الاجتماعية للعديد من الأشخاص ونقلهم لمصاف الثراء المالي.
وقد درس الانثروبولوجيون
عديد المواضيع في الانثروبولوجيا الرقمية: تصميم ألعاب الفيديو الثقافية، استخدام
ميزات البيئات الرقمية لتمكين التعلم الثقافي، استخدام التكنولوجيا الجديدة لإعادة
تأكيد الهوية الثقافية "غير المتصلة بالإنترنت، موضوع السيلفي، ستوري (قصة)،
التمثيل الاثنوغرافي للمواقع الرقمية (محاكاة ايكولوجيا الواقع على المواقع).
انثروبولوجيا الهاتف الهاتف الذكي (مثلا أصبح الجيل الحالي يميلون للتواصل عبر
الرسائل والتطبيقات بدل اجراء مكالمة هاتفية، وهذا أأثر على قدرتهم التواصلية
الشفوية في الحياة الاجتماعية. أو دور الهواتف في تحسين العلاقات الزوجية)
6. المناهج المعتمدة في الانثروبولوجيا الرقمية
· الاثنوغرافيا الرقمية
النتنوغرافيا
بمثابة صيرورة لأقلمة الاثنوغرافيا الكلاسيكية والتي تعد تقنية منهجية مستخدمة
داخل حقل الانثروبولوجيا، تستند بشكل جوهري على الملاحظة المباشرة والملاحظة
بالمشاركة والمقابلات.
والنتنوغرافيا
هي أسلوب مفاهيمي ومنهجي تم تطويعه لدراسة الظواهر المتولدة عن التفاعلات الرقمية
أو في البيئة الافتراضية والظواهر الثقافية الافتراضية. كما يمكن المزاوجة في
تطبيق النتنوغرافيا والاثنوغرافيا الكلاسيكية في بحث واحد، إذ يقوم الانثروبولوجي
عبر النتنوغرافيا بالتواجد في العالم الافتراضي ومتابعة سلوكيات الافراد
ومنشوراتهم وتفاعلهم مع بعضهم البعض من خلال emojis او التعاليق
و tags...ألخ. كما يتواجد في المنتديات وغرف الدردشة وتلك المجموعات
والاثنيات ذات التوجه الهوياتي المشترك.فمن خلال جمع مختلف البيانات يمكن له أن
يقوم بالتوصل لكيية تفاعل الافراد مع بعضهم البعض وفهم أشكال العلاقات الاجتماعية
كيف تبنى كيف يظهرونها للآخر وكيف تستدام.
يوجه
هاكن الباحثين في الاثنوغرافيا الرقمية غلى ضرورة دراسة العلاقات الاجتماعية على
ثلاث مستويات: أ- المستوى الأول يسائل طبيعة الشبكة الموجهة للتفاعلات (معرفة
المنصة وخوارزمياتها -مستوى جزئي-). ب- المستوى الثاني: البحث غي ديناميكيات
المجتمعات المعاد انتاجها عبر الانترنيت (مستوى متوسط). ج- المستوى الثالث والكلي:
يجب عليهم طرح اسئلة حول العلاقات الثقافية والاجتماعية التي تتضمن كيفية قيام
القوى بتفعيل نفسها من خلال هياكل الفضاء الالكتروني (طبيعة القوى السياسية
والاقتصادية وكيف يعاد انتاجها في الوسائط الرقمية).
· دراسة حالة:
يقوم
فيها الباحث الانثروبولوجي باختيار حالة معينة لدراستها سواء داخل الوسائط
الاجتماعية كعينة مؤثرين، أو صفحة معينة أو مجموعة على فيسبوك...ال×، كما يمكن له
أخذ عينة أخرى من الواقع وتتبع تفاعلها مع التكنولوجيات الرقمية كمجموعة عمال في
مصنع مثلا، أو طلبة جامعيين وما ينشرونه على صفحاتهم الافتراضية.
· تحليل المضمون: من المناهج الحديثة في الانثروولوجيا الرقمية التي تميل
لتحليل الخطابات التي ينشرها الافراد على صفحاتهم الشخصية أو من خلال تحليل لمضمون
بعض خطابا السياسيين والمؤثرين وكيف تؤثر على الهوية عند الأفراد مثلا أو كيف تؤثر
على مدركاتهم وبنائهم المعرفي الذي ينعكس على سلوكاتهم في الواقع
· المنهج المقارن: من خلال المقارنة بين أنشطة وسلوكيات وتفاعل جماعات معينة مع أو ضمن الفضاءات الرقمية، كمقارنة مجتمع انجليزي مع مجتمع هندي، الخ
كما
يمكن للباحث أن يعتمد على مناهج أخرى يرى أنها تحقق له الفهم السليم للظاهرة
المدروسة شرط عدم تعارضها ابستمولوجيا ومنهجيا مع المناهج الانثروبولوجية المعتمدة،
حيث استعان بعض الانثروبولوجيين بالمنهجية التاريخية وبتقنيات وأدوات مختلفة مثلما
تشير الانثروبولوجية "آيلين زورن" في عملها في اندونيسيا على تقنية البحث
في الأرشيف، وتحليل النصوص، والمجموعات البؤرية (المصغرة).
إذا تساهم هذه المناهج في فهم الانثروبولوجي لنتاج
الثقافة الرقمية من خلال التواصل مع الناس من أجل فهم ما يفعلونه وفهم نظرتهم
للعالم وكيفية فهم العالم من منظورهم خصوصا في المجموعات التي يكون فيها تأثير
التقنيات الرقمية كبيرا وواضحا، بحيث يتم تبني ممارسات جديدة كليا مثل مجموعات
الصحفيين الذين يعملون عن بعد أو مجموعات التدوين المرئي على اليوتيوب أو مجموعات
الفيسبوك أو الواتساب.
كما أن هناك بعض الاختلافات المنهجية التي يجب الانتباه
إليها، فعلى سبيل المثال غالبًا ما تتألف الإثنوغرافيا من البحث ووصف المكان
والزمان المحدودين، بحيث إنه بمجرد مغادرة الأنثروبولوجي لميدان البحث تنقطع
علاقته مع المجتمع المبحوث، لكن مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه
العلاقة غير قابلة للانقطاع، بمعنى أنها قد تستمر لمدة طويلة جدا يصعب تحديدها.
7. أخلاقيات البحث في الانثروبولوجيا الرقمية
رافقت
مسألة الاخلاق البحثية البحث الانثروبولوجي لعقود ومنذ ظهورها كعلم، فالذهاب
والعيش في وسط مجموعة ثقافية معينة لمدو طويلة لا بد فيا أن يتخلى الباحث عن
موضوعيته في عديد القضايا والأحداث، لهذا يجب فهم أن مسألة الأخلاقية لا تعني
تطبيق الموضوعية الدوركايمية بشكل كامل كونها مستحيلة في البحث الاثنوغرافي، لكن
بدلا من ذلك يطرح الانثروبولوجيون مجموعة نقاط يجب الالتزام بها في الانثروبولوجيا
الرقمية:
· عدم التفاعل مع المبحوثين بأكثر من حساب افتراضي، يقول الانثروبولوجي
"توم بولستورف" اثناء عمله في اندونيسيا أنه وجد أن مجتمع البحث
يستعملون اكثر من حساب لتعريف أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي وحاولت تجربة
ذلك لكن رأيت أنه غير مناسب اخلاقيا وبحثيا لمنهية البحث الاثنوغرافي ويكفي
التعريف بنفسها كونه باحث. لكن ذلك يخلق مشكلة ابستمولوجية متعلقة بالذات، خاصة
عندما يستعمل مبحوث حسابين افتراضيين ويحاول ان يعطي صورة رمزيو مختلفة لكل واحد
ويخلق شبكة اجتماعية مختلفة لكل صورة رمزية، أو العكس زوجان يستعملان حسابا واحدا.
· تجنب التحيز عن جماعة فرعية على حساب أخرى أثناء البحث سواء في الواقع
الاجتماعي او في المواقع الافتراضية، ومن الأفضل من الناحية الأخلاقية أن نشارك في
العالم الافتراضي مثل أي مقيم آخر.
· الحفاظ على السرية فيما يتصل بهويات المقيمين، وحماية الخصوصية فيما يتصل
بحياتهم الافتراضية والفعلية.
· من الأفضل أخلاقياً استخدام نموذج موافقة لإجراء المقابلات أو أي طريقة من
طرق الاستنباط؛ وذلك لأنه على عكس الملاحظة المشاركة، فإن طرق الاستنباط تخلق
وضعاً اجتماعياً لن يكون موجوداً لولا ذلك. على سبيل المثال: يقول الانثروبولوجي
"توم بولستورف" أنه في بحثه: "طلبت من المقيمين
التوقيع على نموذج الموافقة هذا باستخدام أسماء الشاشة الخاصة بهم فقط. لقد فعلت
ذلك لأن جانباً آخر من ممارستي الأخلاقية والمنهجية هو أنني لم أحاول التحقق من أي
جانب من جوانب حياة المقيمين في العالم الحقيقي. لم يقدم المقيمون عادةً مثل هذه المعلومات
أو يجدونها ذات صلة. في تلك المناسبات التي قدم فيها أحد المقيمين مثل هذه
المعلومات".
تبقى هناك عديد التساؤلات المنهجية والابستمولوجية التي
تطرح نفسها على الانثروبولوجيا الرقمية: هل ثقافة المجتمع هي من يؤثر على الثقافة
الرقمية؟ أم أن الرقمية هي التي تؤثر على السلوكات الاجتماعية؟ كيف يمكن تحديد
ميدان الدراسة في الفضاء الرقمي الذي لا يعترف بالحدود الجغرافية والثقافية؟ كما
يشير الباحثون (سميث. بولوك. روبرتس) معضلة أخرى وهي أن وصول الباحث الى موقع بحثه
لا يمكنه بشكل مطلق من تحديد ما اذا كان ذلك الموقع فضاء عاما أم خاصا. هل يجب على
الباحث اظهار هويته اثناء الدخول لدردشات ومجموعات تواصل. ماهو دور الباحث
الاثنوغرافي في الوسائط الرقمية...الخ
من تأليف: دكتور. رفيق بلعيدي
المراجع
المعتمدة في المقال
1. ساتفير كور غيل، موهان جيوتي دوتا،
الأثنوغرافيا الرقمية، تر: أمين بن شراد، 2023.
2. هيذر هورست، دانييل ميلر،
الأنثروبولوجيا الرقمية، تر: خالد الأشهب، هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين،
2020.
3. مبروك بوطقوقة، الأنثروبولوجيا
الرقمية، مقال منشور على صفحته researchgate
، 2021.
4. دانييل ميلر، لماذذ ننشر:
أنثروبولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي، تر: بن شراد أمين، منشور على صفحة المترجم
على researchgat، 2023.
5. دانييل ميلر وآخرون، الهاتف الذكي
العالمي: ماوراء تكنولوجيا الشباب، مطبعة كلية لندن الجامعية، 2021.
6. دياب عز الدين، أنثروبولوجيا الهاتف
المحمول، مجلة جامعة دمشق، المجلد 22، العدد 3+4، 2006.
7. حاك لومبار، مدخل إلى الأنثروبولوجيا، تر: حسن قبيسي، المركز الثقافي العربي،
ط1، 1997.
7. Anna cristina, Media anthropology for the
digital age,polity press, 2018.
8. Sarah pink et auther,
digital materialities, bloomsbury publishing, 2016.
9. Heather horst, daniel
miller, digital anthropology, bloomsbury publishing, 2012.
10. Haidy geismar and Hannah
Knox, Digital anthropology, Routeldge taylor et francis group, 2021.
11. Pitter. H. Coming of age
in second life, princeton university, 2008.
تعليقات
إرسال تعليق